خطبة السيدة زينب (ع) في أهل الكوفة:
بعد ما قتل الإمام الحسين بن علي عليها السلام من قبل جيش يزيد بن معاوية بن أبي سفيان في أرض كربلاء وقتل معه أخوه العباس وأصحابه وأطفاله وأولاد أخوه وفصلت رؤوسهم الشريفة وحملت الرؤوس على الرماح ، أُخذ الباقون سبايا إلى الكوفة وبعد ذالك إلى الشام، إلى يزيد بن معاوية، ويتكون السبايا من السيدة (زينب بنت علي) و (علي بن الحسين زين العابدين) والنساء والأطفال، وأثناء مسيرهم طِيف بهم أولاً إلى الكوفة، وعندما رأوا بنات رسول الله سبايا يطاف بهم من بلد إلى بلد مكبلي اليدين محسوري الرأس ، أخذوا يبكون ويندبون وينتحبون ، فلمَّا رأتهم السيدة (زينب) عليها السلام ، خطبت فيهم خطبة فقالت:
الحمد لله والصلاة على أبي : محمد وآله الطيبين الأخيار.
أما بعد :
يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر !
أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرَّنَّـة.
إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم.
ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف ؟ والصدر الشنف ؟ وملق الإماء ؟ وغمز الأعداء ؟
أو كمرعى على دمنة ؟ أو كفضة على ملحودة ؟
ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
أتبكون ؟ وتنتحبون ؟
إي والله ، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً.
فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً.
وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ؟ ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجتكم ، ومدرة سنتكم ؟؟
ألا ساء ما تزرون ، وبُعداً لكم وسُحقاً ، فلقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة.
وَيلكم يا أهل الكوفة !
أتدرون أيّ كبدٍ لرسول الله فَرَيتُم ؟!
وأيّ كريمةٍ له أبرزتم ؟!
وأي دم له سفكتم ؟!
وأيّ حرمةٍ له هتكتم ؟!
لقد جئتم بها صَلعاء عَنقاء سَوداء فَقماء ، خَرقاء شَوهاء ، كطِلاع الأرض وملء السماء.
أفعجبتم أن أمطرت السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى ، وأنتم لا تُنصَرون.
فلا يَستَخفّنكم المُهَل ، فإنّه لا يَحفِزُه البِدار ، ولا يَخافُ فَوتَ الثأر ، وإنّ ربّكم لبالمرصاد ».
قال الراوي : « فوالله لقد رأيت الناس ـ يومئذ ـ حَيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى أخضبَّت لحيته ، وهو يقول : « بأبي أنتم وأمي !! كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ كتاب « الملهوف » للسيد ابن طاووس .
2- كتاب « الإحتجاج » للشيخ الطبرسي .