بِسْمِ اللهِ الَّرحْمَنِ الرَّحِيم
شاعر أهل البيت دعبل بن علي الخزاعي:
روي عـن دعبل بن علي الخـزاعي أنه قـال: دخلـت عـلى سيـدي ومـولاي
الإمام علي بن موسى الرضا (ع) في أيام المحـرم ، فــرأيته جالساً جلسة
الحزين الكئيب وأصحابه مـن حوله ، فلما رآني مقبلاً قال لي: مـرحباً بك
يا دعبل ، مـرحباً بناصـرنا بيـده ولسانه .. ثـم إنه وسـع لي في مجلسه ،
وأجلسني إلى جانبه ثم قال لي:
يا دعبل ! أحب أن تنشدني شعـراً، فإن هذه أيام حـزن كانت علينا أهل
البيـت ، وأيام سـرور كانت عـلى أعـدائنا، خصـوصاً بني أمية، يا دعـبـل !
من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحداً كان أجره على الله، يا دعبل ، من
ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في
زمرتنا.
يا دعـبـل ! مـن بـكى على مـصـاب جـدي الحسـين (ع) غـفــر الله ذنوبـه
البتة.. ثم إنه عليه السلام نهض وضرب ستراً بيننا وبين حـرمه، وأجلس
أهل بيته من وراء الستر ليبكواعلى مصاب جدهم الحسين، ثم التفت إلي
وقال لي: يا دعبل ! إرث الحسين ! فأنـت ناصرنا ومادحنا، وما دمـت حياًّ
فلا تقصر عن نصرتنا ما استطعت.
قال دعبل: فاستعبرت وسالت دمعتي وأنشأت أقول:
بَكَيْتُ لِرَسْــمِ الدَّارِ مِـنْ عَــرَفَاتِ
وَأَذْرَيْتُ دَمْـعَ الْعَـيْنِ بِالْعَبـَراتِ
وَفُكَّ عُرَى صَبْرِي وَهَاجَتْ صُبَابَتِي
رُسُـومُ دِيَارِ أَقْفَرَتْ وَعِـرَاتِ
مَـدَارِسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِنْ تِـلاَوَةٍ
وَمَنْزِلُ وَحْيٍ مُقْفِـرُ الْعَرَصَـاتِ
لآلِ رَسُولِ اللهِ بِالْخِيفِ مِنْ مِـنَى
وَبِالْبَيْتِ وَالتَّعْرِيفِ وَالْجَمَــرَاتِ
دِيَارُ عَلِيٍّ وَالْحُسَـيْنُ وَجَعْفَـرٍ
وَحَمْـزَةَ وَالسَّجَّادَ ذِي الثَّفِنَـاتِ
دِيَارٌ لِعَبْدِ اللهِ وَالْفَضْلِ صِنْـوِهِ
نَجِيِّ رَسُـولِ اللهِ فِـي الْخَلَـوَاتِ
وَسِبْطَيْ رَسُولِ اللهِ وَابْنَيْ وَصِيِّهِ
وَواَرِثَ عِلْـمِ اللهِ وَالْحَسَنَـاتِ
مَنَازِلَ قَـوْمٍ يُهْـتَـدَى بِهُـدَاهُــمُ
فَـتُـؤْمِـنُ مِنْهُــمْ زَلَّـةَ الْعَـثَـرَاتِ
مَنَازِلُ كَانَتْ لِلصَّلاَةِ وَلِلتُّـقَى
وَلِلصَّــوْمِ وَالتَّطْـهِيرِ وَالْحَسَنَـاتِ
مَنَازِلُ جِبْرِيلَ الأَمِـينُ يَحِلَّـهَا
مِـــنَ اللهِ بِالتَّسْلِيـمِ وَالرَّحَمـَاتِ
مَنَازِلُ وَحْيِ اللهِ مَعْـدِنُ عِلْمِـهِ
سَبِيلُ رَشَــادٍ وَاضِحَ الطُّـــرُقَـاتِ
دِيَارٌ عَـفَاهَا كُـلَّ جَـوْنٍ مُـبـَادِرٍ
وَلَمْ تَعْــفُ لِلأَيَّامِ وَالـسَّنَـــوَاتِ
فَيَا وَارِثِي عِلْمَ النَّـبِيِّ وَآلِـهِ
عَلَيْكُمْ سَـلاَمُ اللهِ دَائِـمَ النَّفَحَاتِ
لَقَدْ آمَنَتْ نَفْسِي بِكُمْ فِي حَيَاتِهَا
وَإِنِّي لأَرْجـُو الأَمْـنَ بَعْـدَ وَفَاِتي
قِفَا نَسْأَلِ الدَّارَ الَّتِي خَفَّ أَهْلُـهَا
مَتَى عَهْـدُهَا بِالصَّوْمِ وَالصَّـلَوَاتِ
وَأَيْنَ الأُولَى شَطَّتْ بِهِمْ غُرْبَةُ النَّوَى
أَفَانِـيـنَ فِي الآفَاقِ مُفْتَرِقَـاتِ
هُمُ أَهْلَ مِيرَاثَ النَّبِيِّ إِذَا اعْتَـزَوْا
وَهُـمْ خَيْرُ سَادَاتٍ وَخَيْرُ حُمَـاةِ
إِذَا لَـمْ نُنَـاجِ اللهَ فِي صَـلَـوَاتِـنَا
بِأَسْمـَائِهِـمْ لَـمْ تُقْبَـلِ الصَّـلَـوَاتِ
مَطَاعِيمُ فِي الإِعْسَارِ فِي كُلِّ مَشْهَدٍ
لَقَدْ شُرِّفُوا بِالْفَضْلِ وَالْبَرَكَـاتِ
وَمَا النَّاسُ إِلاَّ حَاسِدٌ أَوْ مُكَذِّبٌ
وَمُضْطَغِـنٌ ذُو إِحْنَةٍ وَتِـرَاتِ
إِذَا ذُكِرُوا قَتْلَى بِبَــدْرٍ وَخَيـْبَرٍ
وَيَوْمَ حُنَيـْنٍ أَسْبَـلُـوا الْعَـبــَرَاتِ
فَكَيْفَ يُحِبُّونَ النَّبِيَّ وَرَهْطِــهِ
وَهُـمْ تَـرَكُوا أَحْشَاءَهُمْ وَغِــرَاتِ
لَقَدْ لاَيَنُوهُ فِي الْمَقَالِ وَأَضْمَرُوا
قُلُوبٌ عَلَى الأَحْقَادِ مُنْطَوِيَاتِ
فَإِنْ لَـمْ تَكُـنْ إِلاَّ بِقُـرْبَى مُحَمَّـدٍ
فَهَاشِـمُ أَوْلَى مِـنْ هَــنٍ وَهِنَـاتِ
وَلَوْ قَلَّدُوا الْمُوصَى إِلَيْهِ أُمُورَهُمْ
أَخَذْنَ بِمَأْمُـونٍ مِـنَ الْعَـثـَرَاتِ
وَصِيِّ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى وَابْنِ عَمِّهِ
وَمُفْتَـرِسَ الأَبْطَالِ فِي الْغَمَـرَاتِ
فقال الإمام (ع) يا دعبل ! عرج بنا على كربلاء !
فجعلت أقول:
أَفَاطِمُ لَوْ خِلْتِ الْحُسَيْنَ مُجَـدَّلاً
وَقَـدْ مَاتَ عَطْشَانًا بِـشَـطِّ فُــرَاتِ
إِذاً لَلَطَمْتِ الْخَدَّ فَاطِمُ عِنْـدَهُ
وَأَجْـرَيْتِ دَمْعَ الْعَيْنِ فِي الْوَجَنَاتِ
أَفَاطِمُ قُومِي يَا ابْنَةَ الْخَيْرِ وَانْدُبِي
نُجُـوُم سَـمَـاوَاتٍ بِأَرْضِ فَـــلاَةِ
قُبُورٌ بِكُـوفَانٍ وَأُخْــرَى بِطَيْبَـةٍ
وَأُخْـــرَى بِفَخٍّ نَالَهـَا صَـلَــوَاتِ
وَأُخْرَى بِأَرْضِ الْجَوْزَجَانِ مَحَلُّهَا
وَقَـبْرٌ بِبَا خَمْرَى لَدَى الْغُــرُبَاتِ
وَقَـبْرٌ بِبَـغْـدَادٍ لِـنَفْـسٍ زكـيـة
تَضَمَّنَهَا الرَّحْمَــنِ فِي الْغُـــرُفَاتِ
قال دعبل: فقال لي الرضا (ع): أفلا ألحق لك بهذا الموضع ببيتين بهما
تمام قصيدتك ؟ فقلـت : بلى يا ابن رسول الله . فقال الإمام الرضا (ع):
وَقَبْرٌ بِطُوسٍ يَالَهَا مِنْ مُصِيبَـةٍ
أَلَحَّتْ عَلَى الأَحْشَاءِ بِالزَّفَــرَاتِ
إِلَى الْحَشْرِ حَتَّى يَبْعَثَ اللهَ قَائِمًا
يُفَـرِّجُ عَــنَّا الْهَـمَّ وَالْكُــرُبَاتِ
قال دعـبل ، فقلت: يا ابن رسـول الله ! هذا القـبر الـذي بطـوس قبر مـن
هـو ؟ فقال الرضا (ع): هـو قـبري ! ولا تنقضي الأيام والليالي حـتى تصير
(طـوس ) مختلف شيعتي وزواري . ألا مـن زارني في غـربتي في (طـوس)
كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له.
ثم استمر دعبل في إنشاده فقال:
فَأَمَّا الْمُمِضَّـاتِ الَّتِي لَسْـتُ بَالِـغاً
مَبَالِغَهَـا مِـنِّي بِـكُـنْهِ صِــفَـاتِ
نُفُوسٌ لَدَى النَّهْرَيْنِ مِنْ أَرْضِ كَرْبَلاَ
مُـعَـرِّسُهُـمْ فِيهَا بِشَـطِّ فُـرَاتِ
تُوُفُّوا عَطَاشَى بِالْفُـرَاتِ فَلَيْتَـِني
تُـوُفِّيـتَ فِيهِـمْ قَـبْلَ حِينَ وَفَـاتِ
إِلَى اللهِ أَشْكُو لَوْعَةً عِنْدَ ذِكْرِهِمْ
سَـقَـتْـنِي بِكَأْسِ الذُّلِّ وَالْفَضـَعَـاتِ
أَخَافُ بِأَنْ أَزْدَارَهُمْ فَتَشُوقَـِني
مَصَارِعَهُمْ بِالْجَزْعِ فَالنَّخَلاَتِ
تُقَسِّمُهُمْ ريْبَ الْمَنُونِ فَمَا تَرَى
لَهُــمْ عَـفْـرةً مَغْشِيَّةُ الْحُجُــرَاتِ
سِوَى أَنَّ مِنْهُمْ فِي الْمَدِينَةِ عُصْبَةً
مَدَى الدَّهْرُ أَنْضَاءٌ مِنَ الأَزَمَاتِ
قَلِيلَةُ زُوَّارٍ سِـَوى بَعْضُ زُوَّرٍ
مِنَ الضِّبْعِ وَالْعِـقْيَانِ وَالرَّخَمَاتِ
لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ نَوْمَةً بِمَضَاجِـعٍ
ثَوَتْ فِي نَوَاحِي الأَرْضِ مُخْتَـلِفَاتِ
وَقَدْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْحِجَازِ وَأَهْلَهَا
مَغَاوِيرَ يَخْتَارُونَ فِي السَّـرَوَاتِ
تَنَكَّبَ لأَوَاءَ السِّنِينَ جِوَارَهُمْ
فَلاَ تَصْطَلِيهِمْ جَمْـرَةَ الْجَمَرَاتِ
حِمىً لَمْ تَزُرْهُ الْمُدْنِيَاتِ وَأَوْجُهٌ
تُضِيءُ لَدى الأَسْتَارِ فِي الظُّلُمَاتِ
إِذَا وَرَدُوا خَيْلاً تَشَمَّسَ بِالْقَـنَا
مَسَاعِيرَ جَمـْرِ الْمَوْتِ والْغَمَـرَاتِ
وَإِنْ فَخَرُوا يَوْماً أَتَـوْا بِمُحَمَّدٍ
وَجِبْرِيلَ وَالْفُرْقَانِ وَالسُّــوَرَاتِ
وَعَـدُّوا عَلِيًّا ذَا الْمَفَاخِرَ وَالْعُلَى
وَفَاطِمَـةَ الزَّهْـــرَاءِ خَيْرَ بَنَـاتِ
وَحَمْزَةَ وَالْعَبَّاسَ ذَا الْهَدْيِ وَالتُّقَى
وَجَعْـفَــراً الطَّـيَّـارِ فِي الْحُجُبـَاتِ
مَلاَمَكَ فِي أَهْلَ النَّـبِيِّ فَإِنَّهُـمْ
أَحِبَّايَ مَا عَاشُـوا وَأَهْـلَ ثِقَـاتِي
تَخَيَّرْتُهُمْ رُشْداً لأَمْرِي فَإِنَّهُـمْ
عَلَى كُلِّ حَالٍ خِيرَةُ الْخَـيَرَاتِ
نَبَذْتُ إِلَيْهِـمْ بِالْمَـوَدَّةِ صَـادِقاً
وَسَلَّمْـتُ نَـفْسِي طَائِـعـاً لِـوُلاَتِـي
فَيَا رَبِّ زِدْنِي مِنْ يَقِينِي بَصِيرَةً
وَزِدْ حُبُّهُـمْ يَا رَبِّ فِـي حَسَنَــاتِي
سَأَبْكِيهُـمُ ما حَجَّ للهِ رَاكِــبٌ
وَمَـا نَـاحَ قُمْــرِيٌّ عَلَى الشَّجَــرَاتِ
بِنَفْسِيَ أَنْتُـمْ مِنْ كُهُـولٍ وَفِـتْيَـةٍ
لِفَــكِّ عُنَـاةٍ أَوْلِحَمْـلِ دِيَـاتِ
وَلِلْخَيْلِ لَمَّا قَيَّـدَ الْمَـوْتَ خَطْــوَهَا
فَأَطْـلَـقْـتُـمُ مِـنْهُــنَّ بِالـذَّرَبـَاتِ
أُحِـبُّ قُصِيَّ الرَّحِـمِ مِنْ أجْلِ حُبِّكُـمْ
وَأَهْجُـرُ فِيكُـمْ أُسْــرَتِي وَبَنَاتِي
فَأَكْتُـمْ حُبَّيْكُـمْ مَخَافَـةَ كَاشِـحٍ
عَـنِيـدٍ لأَهْـلِ الْحــَقِّ غَـيْرَ مُـــوَاتِ
لَقَـدْ خِفْتُ فِي الدُّنْيَا وَأَيَّامِ سَعْيِهَا
وَإِنِّي لأَرْجُــو الأَمْــنَ بَعْـدَ وَفَـاتِ
قال دعبل : فلما وصلت إلى هذا البيت قال الإمام الرضا (ع):
آمنك الله يوم الفزع الأكبر ، ثم قلت:
أَلَـمْ تَــرَ أَنِّي مِــنْ ثَلاَثِـينَ حِجَّـةً
أَرُوح ُوَأَغْــدُوا دَائِـمَ الْحَـسَــــرَاتِ
أَرَى فَيْأَهُمْ فِي غَيْرِهِمْ مُتَقَسِّماً
وَأَيْدِيَهُـمْ مِــنْ فَيْئِهِـمِ صَـفِـــرَاتِ
قال دعبل: فلما انتهيت إلى قولي هذا بكى أبو الحسن الرضا (ع)
وقال لي: صدقت يا دعبل ! ثم قلت:
فَكَيْفَ أُدَاوِي مِنْ جَوًى لِي وَالْجَوَى
أُمَيَّةَ أَهْـلَ الْفِسْـقِ وَالتَّبِعَـاتِ
فَآلَ رَسُــولِ اللهِ نُحْــفٌ جُسُــومُهُـْـم
وَآلَ زِيَادٍ حُـفَّـلُ الْقَصَـــرَاتِ
بَنَاتُ زِيَادٍ فِي الْقُصُــورِ مَصُـونَـًة
وَآلَ رَسُــولِ اللهِ فِي الْـفَـلَـوَاتِ
سَأَبْكِيهُمُ مَا دَرَّ فِي الأَرْضِ شَارِق
وَنَادَى مُنَادِي الْخَيْرِ بِالصَّـلَـوَاتِ
وَمَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَحَانَ غُـــرُوبُهَا
وَبِاللَّيْلِ أَبـْكِيهِــمْ وَبِالْغُـــدُوَاتِ
دِيَارُ رَسُــولِ اللهِ أَصْبَحْــنَ بَلْقَعاً
وَآلَ زِيَادٍ تَـسْكُــنُ الْحُجُــــرَاتِ
وَآلَ رَسُــولِ اللهِ تُدْمَى نُحُـورُهُــمْ
وآل زياد آمنـوا الســــربــاتِ
وآل رسـول الله تسبى حــريمهـم
وَآلَ زِيَـادٍ رَبَّــةَ الْحَجَــــلاَتِ
إِذَا وُتِــرُوا مَـدُّوا إِلَيَّ وَتِيرَهُــمْ
أكُفـاًّ عَــنِ الأَوْتَارِ مُنْقَبِضَـــــاتِ
قال دعبل: فلما بلغـت إلى هذا القـول بكى أبو الحسن (ع)
حتى أُغمي عليه وجعل يقلب كفيه ويقول: أجل والله منقبضات!
ثم قلت:
فَلَولاَ الَّذِي أَرْجُوهُ فِي الْيَوْمَ أَوْ غَدٍ
لَقَطَّعَ قَلْبِي إِثْـرَهُـمْ حَسَــرَاتِ
خُـــرُوجُ إِمَامٍ لاَ مَحَـالَةَ خَـارِجٌ
يَقُـومُ عَـلَى اسْــمِ اللهِ وَالْبَرَكَاتِ
يُمَـيِّزُ فِينَا كُلَّ حَـقٍّ وَبَاطِـلٍ
وَيُجْـزِي عَلَى النَّـعْـمَاءِ وَالنَّقِـمَاتِ
قال دعبل: فلما انتهيت إلى هذا القول بكى الإمام الرضا (ع) بكاء
شديداً ثم قال : يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين
، أتعرف مـن هذا الإمام ؟ قلـت لا ! إلاَّ أني سمعـت خـروج إمام منكـم
يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فقال الرضا (ع): إن الإمام بعدي ابني محمد
، وبعد محمد إبنه علي ، وبعد علي إبنه الحسن، وبعد الحسن إبنه
الحجة القائم، وهو المنتظــر في غيبته ، المطاع في ظهـوره ، فيملأ
الأرض قسطاً وعــدلاً ، كما ملئت جـوراً وظلماً، وأما متى يقوم ؟ فإخبار
عـن الوقـت، لقـد حـدثني أبي عــن آبائه عــن رسـول الله صلى الله عليه
وآله وسلـم أنه قال: مثـله كمثل الساعة لا تأتيكم إلاَّ بغتةً.
ثم أخذ يستمر دعبل في إنشاد قصيدته إلى آخرها فقال:
سَأَقْصِرُ نَفْسِي جَاهِداً عَنْ جِدَالِهِمْ
كَفَانِي بِمَا أَلْقَى مِــنَ الْعبَـرَاتِ
فَيَا نَفْسُ طِيبِي ثُمَّ يَا نَفْسُ أَبْشِرِي
فَغَـيْرُ بَعِيـدٍ كُلُّ مَا هُـوَ آتِ
وَلاَ تَجْـزَعِي مِـنْ مُدَّةِ الْجَـوْرِ إِنَّنِي
أَرَى قُــوَّتِـي قَـدْ آذَنَــتْ بِـثَبـَاتِ
فَإِنْ قَـرَّبَ الرَّحْمَنُ مِنْ تِلْكَ مُدَّتِي
وَأَخَّـرَ مِنْ عُـمْـرِي لِطُولِ حَيَـاتِي
شَفَيْتُ وَلَمْ أَتْـرُكْ لِنَفْسِي رَزِيَّةً
وَرَوَّيْتُ مِنْهُــمْ مِنْصَلِي وَقَـنَاتِي
فَإِنِّي مِنَ الرَّحْمَنِ أَرْجُو بِحُبِّهِـمْ
حَيَاةً لَدَى الْفِرْدَوْسِ غَيْرَ بَتَـاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* هـو دعـبل بـن عـلي بـن رزين بـن عـثمان بـن عبد الله بـن بـديل بــن
ورقاء الخـزاعي مـن قبيلة خــزاعـة القحطانية الأصل، المـولـود سنة 158 ه
ـ والمتـوفى سـنــة 245 هـ ، فمدة عمره 87 سنة.
كان من الشعــراء المجيدين، ومـن المتفانين في ولاء أهل البيت عليهــم
الســلام، يقـول الشعر كثيراً في مدائح أهل البيت، وفي الطعن على أعدائهم
على غرار التولي والتبري.
ذكر له المؤرخون أسماء كثيرة، ولكنه اشتهـر بلقب (دعبل) بكسر الدال، هو
مـن بيـت أدب وشعــر ، فأبوه عـلي بن رزين كان شاعــراً ، ذكـره المرزباني في
(معجمه) ، وعـمه عبد الله بـن رزين هـو الآخر كان من الشعــراء أيضاً ، ذكـره
ابن رشيق في (العمـدة) ، وأخوه الأكبر علي بن علي بن رزين كان من الشعراء،
ذكره النجاشي وغيرهـم، وأخـوه الآخر رزين بن علي بن رزين كان أيضاً من الشعراء
، كما ذكره ابن طيفور في كتاب (بغــداد) ، ووـلده الحسـين بـن دعـبل شاعــر
مطبـوع له شعر كثير ، كما ورد اسمه في (فهرست ابن النديم) ، وولـده الآخــر
عـلي بـن دعـبل مـن الشعــراء ، كما في (الأغاني، الجــزء 18)، وابـن أخـيه إسماعـيل
بـن عـلي الشـهير بالدعـبلي مــن الشعــراء كمـا فـي كتاب (الغدير ، الجزء الثاني)،
وابن أخيه محمد بن عبد الله بـن رزين المعــروف بأبي (الشـيـص) مــن مـشاهيـر
الشـعــراء ، كمـا ذكــره المــرزبـاني في (معجــمـه) وأبـو الـفـــرج الأصفهاني في:
(أغانيه الجزء 15) وابن قتيبة في (الشعر واشعراء).
وعامة هذه المصادر تستعرض شخصية شاعــرنا دعبل بن علي بإكبار وتجلُّه
وتعطيه سمة الرفعة الأدبية والولاء والتشيع لأهل بيت النبوة عــليهم السلام.