الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلاَمُهُ وَتَحِيَّاتُه وَبَـرَكَاتُهُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمـَةً لِلْعَالَمِينَ ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الأخيار المنتجبين..
قَالَ رَسُولُ اللهِ (ص) : " لاَ يُحِبُّنَا أَهْلَ الْبَيْـتِ إِلاَّ مُؤْمِـنٍ تَقِيٌّ ، وَلاَ يُبْغِضُنَا إِلاَّ مُنَافِقٍ شَقِيٌّ. "
وقال رسول الله (ص): " ألاَ وَمَنْ مـَاتَ عَلَى حُـبِّ آلَ مُحَمّـَدٍ مـَاتَ شَهِـيــداً ".
وقال عليـه الصلاة والسلام :" أحِبُّوهُمْ بِحُبِّي ، وَأَكْرِمُوهمْ بِكَرَمِي ".
وقال عليـه الصلاة والسلام :" تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله فيه الهدى والنور، وأهل بيت ؛ فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ".
وقال عليـه الصلاة والسلام :" مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجى ومن تخلَّف عنها غرق ".
أهل البيت ذلك العنوان المضيء ، والمجد الخالد، والاسم المحبب لكل نفس أحبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآمنت به وسارت على هُـداه، فقد عـرف المسلمون هـذا العنوان الشامخ في سـماء التاريخ والمجـد المتألِّق في أُفُـقِ القـرآن العـظيـم ، مـنذُ أن نطـق الوحي بهـذه التسمية المباركة، ومنح تلك الكوكبة الرائدة هذا اللقب الفريد في دنيا الإنسان: " إِنمَّا يُرِيدُ الله ُلِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً "(الأحزاب.الآية: 33)
وبنزول هــذه الآيـة المبـاركـة تَحَـدَّدَ مسارٌ ومِحْـورٌ واتِّجـاهٌ داخـل الحياة الإسلاميَّة، وجَّه القرآن الكريم الأنظار إليه ، وسـلَّط الأضـواء على مـوقعـه الطَّلائعي الرَّائـد وأبـرزَ دور أهـل البيـت فـي حيـاة الأمَّـة الإسـلاميَّـة ، وخصَّـهم بـإرادة التطهير المؤكَّد مِنْ لَدُنِ الخبير الحكيم.
إنَّ لهـذا الحـدث العــظيـم لَمَعْنًى خاصًّـا فـي حيـاة الأُمَّـة ، وَصُــنْعِ تاريخهـا ، وبنـاء حـضارتهـا ، يـعــرفـه الباحـثـون والمُحقِّـقُـون في مجال العلـوم والمعارف الإسلاميَّة، وفي ساحة الحياة السِّياسيَّـة لهذه الأُمَّة.
لقد حدَّدت هذه الآيات مركـزًا لحـركة التاريخ بعـد رسـول الله صـلى الله عـليـه وآلـه وسـلَّـم وِفْــق الْـعــُرْف والْمَنْـطِـق الإسلامي، بعد أن وهـب الله هـذه الصَّـفْوة المباركة صِـفَـة التـطهـير مِـنَ الذُّنُوبِ والمعاصي والآثام.
فـقـد ثَبَّـتَ القــرآن لهـم أفضل درجات التفضيـل، وأعـلى مراتب الأَهَلِيَّـةِ في الاقـتـداء والقيـادة والـرِّيادة في الحيـاة الإسـلامِيَّةِ التي ترى وِفْـقَ فلسفتها العامَّة في الحياة:
" إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ. "(الحجرات.الآية:13) بعد أن خاطبهم: " إِنمَّا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِـبَ عَنكُـمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً".(الأحزاب.الآية: 33).
إنَّ مـن يستقـرئ القرآن الكريم والسنَّة النَّبـوِيَّة المُطهَّـرة يَجِـدُ لأهل البيـت النبوي الشَّـريف مـقامًـا خاصـًّا وموْقِـعًا مُتَمَيِّـزًا تحدَّثَ عـنه أئمَّـة هـذه الأُمَّـة، وعُـلماؤُها ومفسِّروها وروَّاتها، وأصحـاب السِّـِير والتفاسير ومـؤرِّخوهـا وفـقهاؤُهـا وعُـبَّادُها العارفون فيها مِـنْ كل الاتِّجاهات والمذاهب.
إنَّ كُتُبَ الحديث والسِّـير والتفاسير وكتب الأدَب والشِّعـر والمناقــب التي ألَّـفَها المسلمـون بمختلـف مـذاهـبهــم ومـشاربهــم قـد أبـرزت مكانـة خاصة، ومـوقعًا هامًّا لأهل
البيـت (ع) متحـدِّثـةً عــن عـظمة هــذه الشجـرة المباركة، وقياس إيمان المؤمـن بحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، والتَّسابُق في تعــريف الأُمَّة بمناقب آل الرسـول الكرام وتعـميق حُبُّهُـم فـي النفـوس، وإظهار اللَّوعَة والبراءة من أُولَئِكَ الذين عـادوا آل البيـت النَّبـويِّ الكـريم ، وأنزلـوا بهـم الفجائع والْمِحَن ، من تقتيلٍ وفصل الرؤوس وتشريد.
إنَّ أهل البيت كوكبةً فريدَةً بما حملت مـن عِلْمٍ وتقوى وَخُلُقٍ وشِّرَفٍ رفيع وثباتٍ على الحق ودِفَاعٍ عن الإسلام بالعلـم والسيف ومقاومة الظُّـلْـمِ والطُّغيان ، لـذا أجمع المسلمون أنْ ليس في هـذه الأُمَّـة مـن يملك الْمَقام والشَّرف والميزات التي خَصَّ اللهُ بها أهـل هـذا البيـت ، فهــم وحدهـم قـد خَصَّهــم الله بالتطهير مـن الرِّجس والآثام قال الله تعالى: " إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَأَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ".(الأحزاب.الآية: 33).
وهـم وحدهم قد خَصَّهـم الله بأن جعل مودَّتهـم واجبـةٌ على هــذه الأُمَّـة وجعلها حقًّا لِلنَّبِيِّ (ص) عـليها، قال المـولى تبارك وتعالى: " قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " (الشورى.الآية: 23).
وهم وحدهم الذين جعل الله سبحانه وتعالى الصَّلاة عليهم واجبـة في الصـلوات اليوميَّة وغـيرها، يقـرن ذِكـرهم بذكـر رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال عزَّ وجل: " إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّون عَلَى النَّبِيِّ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواصَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ". (الأحزاب. الآية: 56).
وقد علَّم رسول الله أُمَّتَهُ كيف تُصلِّي عليه وعلى آله ، فقال لهم حينما سألوه: كيف نصلِّي عليك يا رسول الله ؟ قال: قولوا: " اللَّهُمَّ صَلِّ على محمدٍ وآل محمدٍ ، كما صلَّيت على إبراهيم ، وآل إبراهيم ، إِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ "..
فليس في هـذه الأُمَّة من له هــذه المزايا والصِّـفات، مـن هنا نعـرف عـظمة أهل البيـت ومقامهـم، ووُجُـوب حُبِّهـم ، والاقتداء بهم ، والسير على نهجهم.
فالقـرآن الكريم لم يؤكِّد على أهل هـذا البيت، ولـم يُبَيِّن للأُمَّة مقامهم ومكانتهم إلاَّ لِغَرَضِ الاقتداء والتمسك بهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار المـودَّة والمحبَّة لهم وموالاتهم والأخْذِ عنهم.
فهـو لَمْ يُعَـرِّفهـم بهـذا التعـريف إلاَّ لأغـراض عقائديَّة ورساليَّة تـدعـو كل مُـسلـمٍ إلى التَّأمُّل والتَّـفـكُّر، ومعـرفــة هــذه الطَّـليعـة الرِّساليَّـة التي منحها الله موقع الإمامة والرِّيادة في الأُمَّـة ، بعـد أن عَــرَّفهُــم بهـذا التَّعــريف ، وعـرَّفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلـم.
هذا وصلى الله على الحبيب المصطفى المختار وأهل بيته الأطهار والسلام عليكم أولاً وآخراً ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: أهل البيت: مقامهم ومنهجهم ومسارهم/ دار التوحيد بدولة الكويت.