الفرزدق في مدح الإمام زين العابدين(ع):
قال ابن خلكان في ترجمة الفرزدق : وتنسب إليه مكرمة يرجى بها له
الجنة، وهي أنه لما حج هشام بن عبد الملك في أيام أبيه فطاف وجهد
أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه فلم يقدر عليه لكثرة الزحام ، فنصب
له منبر وجلس عليه ينظر الناس ومعه جماعة من أهل الشام فبينما هو
كذلك إذ أقبل (زين العابدين) عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب
عليهم السلام ) وكان من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً فطاف بالبيت
فلما انتهى إلى الحجر [ الأسود ] تنحى له الناس حتى استلم فقال رجل
من أهل الشام: من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة ؟ فقال هشام:
لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام، وكان الفرزدق حاضراً فقال:
لكني أنا أعرفه . فقال الشامي : من هذا يا أبا فراس ؟ فقال:
هَذَا الذي تعرف البطحاء وطأتـهُ
والبيت يعرفه والحلُّ والحرمُ
هذا ابن خير عباد الله كلهــم
هذا التقي النقي الطاهر العلمُ
إذا رأته قــــــريش قال قائلهــا
إلى مكارم هـذا ينتهـي الكـــرمُ
ينمي إلى ذروة العز التي قصرت
عن نيلها عرب الإسلام والعجمُ
يكاد يمسكه عـــــرفان راحتـه
ركـــن الحطيم إذا ما جاء يستـلـمُ
في كفه خيزران ريحه عـبـق
مـن كــف إروع في عـرنينه شـمـمُ
يغضي حياءاً ويغضى من مهابته
فما يكلم إلا حين يبتسمُ
ينشق نور الهدى عن نور غــرته
كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلمُ
منشقة عــن رسول الله نبعـتـه
طابت عناصره والخيم والشيمُ
هذا ابن فاطمة إن كـنـت جاهلـه
بجـده أنبياء الله قـد خـتمُـوا
فليس قولك : من هذا ؟ بضـائره
العرب تعرف من أنكرت والعجمُ
كلتا يديه غياث عــم نفعهما
تستـوكفان ولا يعــروهـما عــــدمُ
سـهل الخليقة لا تخشى بــوادره
يـزينه اثنان: حسـن الخلق والشيـمُ
لا يخلف الوعد ميمون نقيبتــه
رحـب الفناء أريب حين يعـتـزمُ
عم البرية بالإحسان فانقشعت
عنها الغيابة والإملاق والعــدمُ
من معشر حبهم دين وبغضهـم
كـفــر وقــربهم منجا ومعـتصـمُ
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم
أو قيل: مـن خير أهل الأرض ؟ قيل هـمُ
لا يستطيع جـــواد بعـد غـايتهــم
ولا يدانيهـم قـوم وإن كــرمُـوا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت
والأسد أسد الشرى والبأس محتـدمُ
لا ينقض العسر بسطاً من أكفهم
سيّان ذلك إن أثروا وإن عــدمُوا
مقـدم بعـد ذكـــر الله ذكــــــرهم
في كل بـدءٍ ومختـوم به الكـلمُ
يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم
خيم كريم وأيدٍ بالندى هضمُ
أي الخـلائـق ليسـت في رقابهــــم
لأولية هــذا أو لـه نـعـــمُ
من يعرف الله يعـرف أولية ذا
والدين مــن بيت هـذا ناله الأمَمُ
فلما سمع هشام هذه القصيدة غضب وحبس الفرزدق، وأنفذ الإمام
زين العابدين له اثني عشر ألف درهماً فردها [ الفرزدق ] وقال: مدحته
لله تعالى لا للعطاء . فقال [ زين العابدين عليه السلام ] : إنا أهل بيت
إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده، فقبلها [ الفرزدق ] .