من شعر بهاء الدين الأربلي في أهل البيت(ع):
قال في أهل البيت (ع):
أيها السادة الأئمـة أنتـم
خــيرة الله أولا وأخــيـرا
قد سموتم إلى العلى فافترعتم
بمزاياكم المحل الخطيـرا
أنزل الله فيكم هل أتى نصًّا
جليًّا في فضلكم مسطورا
من يجاريكم وقد طهر الله
تعالى أخلاقكم تطهيرا
لكـم سـؤدد يقـرره القــرآن
لمـن أسـمع التقـريرا
وأفاضوا على البرايا عطايا
خلفت فيهم السحاب المطيرا
فتراهم عند الأعادي ليوثا
وتراهم عـند العفاة بحـورا
يمنحون الولي جنة عدن
والعـدو الشقي يصلى سعيـرا
يطعمون الطعام في العسر واليسر
يتيما وبائسا وأسيرا
لا يريدون بالعطاء جزاء
محبطا أجر برهم أو شكورا
فكفاهم يوما عبوسا وأعطاهم
الله على البر نضرة وسرورا
وجزاهم بصبرهم وهو أولى
من جزى الخير جنة وحريرا
وإذا ما ابتدوا لفصل خطاب
شــرفوا مـنبرا وزانوا ســريرا
يخلفون الشموس نورا وإشراقا
وفي الليـل يخجلـون البـدورا
أنا عـبـد لكـم أدين بحبـي
لكـم الله ذا الجـلال الكـبيرا
عـالـم إنني أصبـت وإن الله
يؤلي لطفًا وطــرفا قــريرا
مال قلبي إليكم في الصبا الغض
وأحببتكـم وكنت صغيرا
وتوليتكم وما كان في أهلي
ولـي مـثلي فجـئت شهــيـرا
أظهـر الله نوركـم فأضاء الأفق
لما بــدا وكـنـت بصــيـرا
فهـداني إليكـم الله لطـفـا بـي
ومـا زال لـي وليـًّا نصـيـرا
كم أياد أولى وكم نعمة أسدى
فلي أن أكون عـبـدًا شكـورا
أمطرتني منه سحائب جود
عاد حالي بهــن غضا نضـيرا
وحماني من حادثات عظام
عـدت فيهـا مـؤيدا مـنصـورا
لو قطعت الزمان في شكر أدنى
ما حباني به لكنت جـديـرا
فـله الحمد دائـماً مستمــــراًّ
وله الشكر أولا وأخـيرا
وقال في الإمام علي بن أبي طالب(ع):
وإلى أمير المؤمنين بعثتها
مثل السفاين عِـمْنَ في تيار
تحكي السهام إذا قطعــن مـفـازة
وكأنها في دقة الأوتار
حمال أثقال ومسعف طالب
وملاذ ملهوف وموئل جار
شرف أقر به الحسود وسؤدد
شاد العلاء ليعرب ونزار
وسماحة كالماء طاب لوارد
ضام إليه وسطـوة كالنار
ومآثر شهد العدو بفضلها
والحق أبلج والسيوف عـواري
حيث الأسنة كالنجوم منيرة
تخفى وتبدو في سماء غـبار
واسأل بخيبر إن عرتك جهالة
بصحايح الأخـبار والآثار
واسأل جموع هوازن عن حيدر
وحذار من أسد العرين حـذار
واسأل (بِخُـمٍّ)عـن عـلاه فإنها
تقضي بمجـد واعـتلاء مـنار
بـولائه يرجــو النجاة مقصــــر
وتحـط عـنه عـظائم الأوزار
ويقول فيها:
يا آل طـــه الأكــرمــيـن ألية
بـكـم وما دهـــــري يمين فـجــار
إني منحتكم المــودة راجيا
نيل المنى في الخمسة الأشبار
فعـليكم مني السلام فأنتــم
أقصــى رجاي ومنتهــى إيـثاري
وقال ايضاً:
سل عن علي مقامات عرفن به
شدت عرى الدين في حل ومرتحل
بدرا واحدا وسل عنه هوازن
في أوطاس واسأل به في وقعة الجمل
واسأل به إذ أتى الأحزاب يقدمهم
عمرو وصفين سل إن كنت لم تسل
مآثر صافحت شهب النجوم علا
مشيدة قد سمت قدرا على زحل
وسنة شرعت سبل الهدى وندى
أقام للطالب الجدوى على السبل
كم من يد لك فينا يا أبا حسن
يفوق نائلها صوب الحيا الهطل
وكم كشفت عن الإسلام فادحة
أبدت لتفرس عن أنيابها العضل
وكم نصرت رسول الله منصلتا
كالسيف عري متناه من الخلل
ورُبَّ يوم كظل الرمح ما سكنت
نفس الشجاع به من شدة الوهل
ومأزق الحرب ضنك لا مجال به
ومنهـل المـوت لا يغني على النهل
والنقع قد ملأ الارجاء عثيره
فصار كالجبل الموفي على الجبل
جلوته بشبا البيض القواضب
والجرد السلاهب والعسالة الذبل
بذلت نفسك في نصر النبي ولم
تبخل وما كنت في حال أخا بخـل
وقمت منفردا كالرمح منتصبا
لنصره غير هياب ولا وكـل
تردي الجيوش بعزم لو صدمت به
صـم الصفا لهوى من شامخ القـلل
يا أشرف الناس من عرب ومن عجم
وأفضل الناس في قول وفي عـمل
يا من به عرف الناس الهدى وبه
ترجى السلامة عند الحادث الجلل
يا من أعاد رسوم العدل جالية
وطال ما سـترتها وحـشة العطل
يا فارس الخيل والأبطال خاضعة
يا مـن له كـل خلـق الله كالخـول
يا سيد الناس يا من لا مثيل له
يا من مناقبه تسـري سرى المثل
خذ من مديحي ما استطيعه كرما
فإن عجـزت فإن العجز من قِبلي
وسوف أهدي لكم مدحاً أحبرهُ
إن كنت ذا قـدرة أو مُدَّ في أجـلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هو بهاء الدين أبو الحسن علي بن فخر الدين عيسى بن أبي
الفتح الأربلي نزيل بغداد ودفينها. فذ من أفذاذ الأمة، وأوحدي من
نياقد علمائها، بعلمه الناجع وأدبه الناصع يتبلج القرن السابع، وهو
في أعاظم العلماء قبله في أئمة الأدب، وإن كان به ينضد جمان
الكتابة، وتنظم عقود القريض، وبعد ذلك كله هوأحد ساسة عصره
الزاهي، ترنحت به أعطاف الوزارة وأضاء دستها، كما ابتسم به ثغر
الفقه والحديث، وحميت به ثغور المذهب، وسفره القيم:
(كشف الغمة) خير كتاب أخرج للناس في تاريخ أئمة الدين، وسرد
فضائلهم، والدفاع عنهم، والدعوة إليهم. وهو حجة قاطعة على
علمه الغزير، وتضلعه في الحديث، وثباته في المذهب، ونبوغه في
الأدب، وتبريزه في الشعر، حشره الله مع العترة الطاهرة صلوات الله
عليهم.