من شعر الملك الصالح في أهل البيت عليهم السلام
آلَ رَسُــولِ الإِلَـهِ قَــــــوْمٌ
مِـقْــدَارُهُمْ فِي الْعُلَى كَــبِيــرُ
إِذْ جَاءَهُــمْ سَـائِلٌ يَتِيــمٌ
وَجَاءَ مِـــنْ بَعْـــدَهُ أَسِــــــيـرُ
أَخَافَهُــمْ فِي الْمَعَـادِ يَــوْمٌ
مُعْظَــمَ الْهَـــوْلِ قَـمْطَــرِيــرُ
فَقَـدْ وَقُـوا شَـرَّ مَا اتَّـقُـوهُ
وَصَارَ عُقْبَاهُمُ السُّــــــرُورُ
فِي جَـنَّةٍ لاَ يَـرَوْنَ فِيهَـا
شَــمْــسًا وَلاَ ثُـمَّ زَمْهَـــرِيــرُ
يَطُـوفُ وِلْدَانُهُــمْ عَـلَيْهِـــمْ
كَـأَنَهُـــــمْ لُـــؤْلُـــؤٌ مَــنْـثُــــــورُ
لِبَاسُهُمْ فِي جِنَانِ عَدْنٍ
سُنْدُسُهَا الأَخْضَـرُ الْحَرِيـرُ
جَـــزَاهُــمْ رَبُّهُــمْ بِــهَـــــــــــذَا
وَهُوَ لِمَا قَدْ سَعَـوْا شُكُـورُ
وله في هذا المعنى أيضًا:
إِنَّ الأَبْــرَارَ يَشْــرَبُونَ بِكَأْسٍ
كَانَ حَقًّـا مِـزَاجُهَا كَافُــــورَا
وَلَهُــمْ أَنْشَـأَ الْمُهَيْمِــــنُ عَيْنًا
فَجَّــرُوهَا عِـبَادَهُ تَفْجِـيــرَا
وَهَدَاهُمْ وَقَالَ يُوفُونَ بِالنَّذْرِ
فَـمَـنْ مِثْلَهُمْ يُوفِي النُّذُورَا ؟!
وَيَخَـافُــونَ بَعْــدَ ذَلِـكَ يَــــوْمًا
هَائِـلاً كَانَ شَــرُّهُ مُـسْـتَطِيـرَا
يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ ذَا الْيَتِمَ
وَالْمِسْكِينَ فِي حُبِّ رَبِّهِمْ وَالأَسِيرَا
إِنَّمَا نُطْعِـمُ الطَّعَامَ لِوَجْـهِ اللهِ
لاَ نَبْتَـغِي لَــدَيْـكــُمُ شُـكُـــــورَا
غَيْرَ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا
عَـبُوسًا عَصَبْصَبًا قَمْطَرِيرَا
فَــوَقَاهُـــمْ إِلَهَهُــمْ ذَلـِكَ الْيـَــوْمِ
يُلْقَــوْنَ نَضْــــرَةً وَسُــــــرُورَا
وَجَــزاهُـــمْ بِأَنَّهُــمْ صَـبَـرُوا فِي
السِّرِّ وَالْجَهْرِ جَنَّةً وَحَـرِيرَا
مُتَّكِئِينَ لاَ يَرَوْنَ لَدَى الْجَنَّةِ
شَــمْـسًا كَــلاَّ وَلاَ زَمْهَــــرِيــرَا
وَعَـــلَـيْهِــمْ ظِـــلاَلُــهَـا دَانِيَــاتٍ
ذُلِّـلَـتْ فِي قُـطُـوفِـهَا تَـيْسِيـرَا
وَبِأَكْـــوَابِ فِــضَّــة وَقَــــوَارِيـرَ
قَــــوَارِيــرَ قُــدِرَتْ تَــقْـدِيــرَا
وَيَطُوفُ الْوِلْدَانُ فِيهَا عَلَيْهِمْ
فَيَخَالُونَ لُــؤْلُــؤاً مَـــنْـثُــورَا
بِكُؤُوسٍ قَدْ مُزِجَتْ زَنْجَبِيلاَ
لَذَّةَ الشَّارِبِينَ تَشْفِي الصُّدُورَا
وَيُـحَلَّــونَ بِالأَسَــــاوِرِ فِيـهَــا
وَسَـقَـاهُـمْ رَبِّي شَـــرَابًا طَهُــورَا
وَعَلَيْهِمْ فِيهَا ثِيَابٌ مِنَ السُّنْدُسِ
خُـضْـرٌ فِـي الْخُلـْدِ تـَلْمَعُ نُــورَا
إِنَّ هَـذَا لَكُـمْ جَـزَاءٌ مِـنَ اللهِ
وَقَـدْ كَانَ سَعْيُكُـمْ مَــشْـكُـــورَا
وله في هذا المعنى أيضًا:
وَاللهُ أَثْـنَى عَـَليْهِـــمْ
لَمَا وَفُـوا بِالنُّذُورِ
وَخصَّهُــمْ وَحَبَاهُـــــمْ
بِـجَـنَّـةٍ وَحَــــــــرِيــرِ
لاَ يَعْرِفُـونَ بِشَمْسٍ
فِيهَا وَلاَ زَمْهَـرِيرِ
يُسْقَوْنَ كَأْسًا رَحِيقًا
مَــزِيجُهُ الْكَافُــورِ
وله في هذا المعنى أيضًا:
فِي هَلْ أَتَى إِنْ كُنْتَ تَقْرَأُ هَلْ أَتَى
سَتُصِيبُ سَعْيُهُمْ بِهَا مَشْكُـورَا
إِذْ أَطْعَمُوا الْمِسْكِينَ ثِمَّةَ أَطْعَمُوا
الطِّفْلَ الْيَتِيمَ وَأَطْعَمُوا الْمَأْسُورَا
قَالُوا: لِوَجْهِ اللهِ نُطْعِمُكُمْ فَلاَ
مِنْكُمْ جَزَاءً نَبْتَغِي وَشُكُورَا
إِنَا نَخَافُ وَنَتَّقِي مِنْ رَبِّنَا
يَوْمًا عَبُوسًا لَمْ يَزَلْ مَحْذُورَا
فَوُقُوا بِذَلِكَ شَــرَّ يَــوْمٌ بَاسِـلٌ
وَلُقُّوا بِذَلِكَ نَضْرَةً وَسُرُورَا
وَجَـــزَاهُمْ رَبُ الْعِبَادِ بِصَـبْرِهِـمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَنَّةً وَحَرِيرَا
وَسَقَاهُمْ مِنْ سَلْسَبِيلٍ كَأْسَهَا
بِمِزَاجِهَا قَدْ فُجِّرَتْ تَفْجِيرَا
يُسْقَوْنَ فِيهَا مِنْ رَحِيقٍ مُخْتَمٍ
بِالْمِسْكِ كَانَ مِــزَاجُهَا كَافُورَا
فِيهَا قَـَـوَارِيـرَ وَأَكْــوَابٍ لَـهَا
مِـنْ فِـضَّةٍ قَـدْ قُـدِّرَتْ تَـقْـدِيـرَا
يَسْعَى بِهَا وِلْدَانَهَا فَتَخَالُهُــمْ
لِلْحُسْنِ مِنْهُـمْ لُؤْلُـؤًا مَـنْثُـورَا
وله في المعنى المذكور:
هَلْ أَتَى فِيهِــمْ تَـنْزِلُ فِيهَا
فَضْلُهُمْ مُحْكَمًا وَفِي السُّوُرَاتِ
يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ خَوْفًا فَقِيرًا
وَيَتِيمًا وَعَانِيًا فِي الْعِنَاتِ
إِنَّمَا نُطْعِـمُ الطَّعامَ لِوَجْـهِ
اللهِ لاَ لِلْجَــزَاءِ فِي الْعَاجِـلاَتِ
فَجَــزَاهُــمْ بِصَـبْرِهِـــمْ جَـنَّةَ الْخُلْـدِ
بِهَا مِـنْ كَـوَاعِــبً خَيِّـرَاتِ
ومن شعر الملك الصالح قصيدته التي جارى بها قصيدة
الشاعر دعبل بن علي الخزاعي الشهيرة التي أولها:
مَدَارِسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِنْ تِلاَوَةٍ
وَمَنْزِلُ وَحْيٍ مُقْـفِـرُ الْعَرَصَاتِ
وأول قصيدة الملك قوله:
أَلاَئمُ دَعْ لَوْمِي عَلَى صَبَوَاتِي
فَمَا فَاتَ يَمْحُـوهُ الَّذِي هُوَ آتِ
وَمَا جَزَعِي مِنْ سَيِّئَاتٍ تَقَدَّمَتْ
ذِهَابًا إِذَا اتَّــبَعْـتُهَا حَـسَنَاتِ
أَلاَ إِنَّنِي أَقْلَعْتُ عَنْ كُلِّ شُبْهَةٍ
وَجَانَبْتُ غَرْقِي أَبْحُرَ الشُّبُهَاتِ
شَغَلْتُ عَنِ الدُّنْيَا بِحُبِّي لَهُمْ
عَسَى يَصْفَحُ الرَّحْمَنِ عَنْ هَفَوَاتِي
وقال في آخرها:
أُعَارِضُ مِنْ قَوْلِ الْخُزَاعِي دِعْبَلاً
وَإِنْ كُنْتُ قَدْ أَقْلَلْتُ فِي مِدْحَاتِي
مَدَارِسُ آيَاتٍ خَلَتْ مِنْ تِلاَوَةٍ
وَمَنْزِلُ وَحْيٍ مُقْـفِـرُ الْعَرَصَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أبو الغارات الملك الصالح فارس المسلمين، نصير الدين، طلايع بن رزيك بن
الصالح الأرمني أصله من الشيعة الإمامية في العراق كما في [أعلام الزركلي].
هو من أقوام جمع الله سبحانه لهم الدنيا والدين، فحازوا شرف الدارين، وحبوا
بالعلم الناجع والإمرة العادلة، بينا هو فقيه بارع كما في [خواص العصر الفاطمي]
وأديب شاعر مجيد كما طفحت به المعاجم، فإذا به ذلك الوزير العادل تزدهي القاهرة
بحسن سيرته، وتعيش الأمة المصرية بلطف شاكلته، وتزدان الدولة الفاطمية بأخذه
بالتدابي اللازمة في إقامة الدولة وسياسة الرعية ونشر الأمن وإدامة السلام، وكان
كما قال الزركلي في [الأعلام] وزيرا عصاميا يعد من الملوك، ولقب بالملك الصالح،
ولقد طابق هذا اللفظ معناه كما ينبئك عنه تاريخه المجيد، فلقد كان صالحا بعلمه
الغزير وأدبه الرائق، صالحا بعدله الشامل وورعه الموصوف، صالحا بسياسته
المرضية وحسن مداراته مع الرعية، صالحا بكل فضائله وفواضله دينية ودنيوية ،
وقبل هذه كلها تفانيه في ولاء أئمة الدين عليهم السلام ونشر مآثرهم ودفاعه عنهم
بفمه وقلمه ونظمه ونثره، وكان يجمع الفقهاء ويناظرهم في الإمامة والقدر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المصدر: الملك الصالح وشعره في الغدير للشيخ/ عبد الحسين الأميني.